أميركا تعاقب تركيا وقطر.
د.نسيب حطيط
لقد فشل المشروع الأميركي لتدمير سوريا وصناعة الشرق الأوسط الجديد فبدأت أميركا بتأديب أدواتها الذين فشلوا بتنفيذ تعهدادتهم بإسقاط النظام في سوريا وتفكيك الدولة السورية كما فعلوا في ليبيا وتونس ومصر ،ولأن أميركا لا تتعامل مع حلفاء بل مع عبيد وخدم ولا تتحمل الخسارة فبدأت بعقاب هؤلاء الخدم وبدأت بالأضعف فيهم وهي قطر حيث سيتم إستبدال(الحمدين)بالأمير الصغير لإستكمال المسيرة بعجلات جديدة ورمي العجلات القديمة ،حيث تسربت أنباء عن تنازل الأمير حمد بن خليفة عن الحكم لصالح ولي العهد الشيخ(تميم)، وهذا ما يشابه الإنقلاب الأبيض الذي نفذته أميركا عبر الأمير حمد ضد أبيه و يتجرع الآن الكأس المرة(بإنقلاب)ولده عليه في مسرحية ظاهرها التنازل ومضمونها تنفيذ الأوامر الأميركية تنفيذا(لعقوبة)العزل والتنازل عن الحكم ثمنا للفشل في سوريا ولم ينفعه كل الجهد الذي بذله والمال الذي أنفقه والنجاحات في بلاد ما يسمى الربيع العربي وبنجاحه الباهر في شراء قرار (حماس الخارج) مثلما إشترى بعض النوادي الرياضية في أوروبا وبثمن بخس ،ومن يتعامل مع أميركا عليه أن يعرف لعبة القمار السياسي وعدم الوفاء لأن أميركا ستتركه على قارعة الطريق إذا تهددت مصالحها أو وجدت خادما أفضل منه، ومع النفي السياسي "للحمدين" في قطر سيتم زعزعة وفرط إئتلاف(الدوحة)السوري وإعادة تشكيل هيئة معارضة جديدة تواكب مرحلة التقهقر الميداني والسياسي لأميركا وحلفائها على الأرض لكي تستطيع أميركا سوقهم إلى(جنيف)لإجراء المفاوضات التي ستقبل بها أميركا وفق منهجية تحديد الخسائر، لأن إطالة المعركة في سوريا سيهدد المصالح الأميركية والإسرائيلية بشكل أكثر جدية.
إن العقاب الأميركي لتركيا والثنائي(أردوغان-غول) سيؤدي إلى نفس النتيجة بالعزل كما حصل مع الثنائي(حمد بن خليفة-وبن جاسم)ولكن وفق النظام السياسي لكل بلد ففي قطر وفق نظام الوراثة وولاية العهد وفي تركيا عبر الحراك الديمقراطي والمظاهرات والإعتصامات ،حيث كانت الإدارة الأميركية تحمي أردوغان وتغطي قمعه للحريات وإعتقال الصحافيين ومنع أي تحرك إحتجاجي وتضغط على الجيش لعدم التحرك لحماية نفسه من إهانات أردوغان ،وذلك مقابل ما يقدمه أردوغان من خدمات لأميركا على مستوى(المقاولات السياسية)بتدجين حركة الإخوان المسلمين في العالم العربي وتسهيل وصول التكفيريين والعصابات المسلحة إلى سوريا ولإبقاء التحالف الإستراتيجي مع إسرائيل وكل ذلك بغلاف(الإسلام التركي)الحديث الذي يجيز بيع الكحول والمشروبات الروحية حتى العاشرة مساء ،وكأن الإلتزام بأحكام الإسلام يكون ضمن الدوام الرسمي الذي تحدده الحكومة التركية وليس القرآن والسنة النبوية الشريفة.
بدأ العقاب الأميركي لأردوغان وتم السماح للمعارضة التركية بالتحرك للمطالبة بحقوقها المشروعة سواء على المستوى المعيشي أو السياسي أومنع الفتنة المذهبية التي أشعلها أردوغان عبر التدخل التركي في سوريا والعراق وبدأ أردوغان يهتز ويضطر لحشد مؤيديه وأنصاره والرد بالغازات والرصاص والجرافات على معارضيه.
العقاب التركي لن يتوقف عند قطر وتركيا بل سيتمدد إلى بعض قادة المعارضة السورية في الخارج وكذلك المعارضة المسلحة في الداخل الذين وفرت لهم أميركا كل شيء المال والسلاح والإستخبارات وكل مقومات النجاح وبقي شيء واحد هو(شرف الثائر)حيث لم تجد فيهم سوى لصوص مال ومصانع ومقاولين ثوريين وآكلي الأكباد ومجرمون وقاطعي رؤوس ،ولم تستطع توحيد كتائبهم وألويتهم ومعارضتهم المتعددة وجيوشهم الحرة ،لقد ملأوا الفنادق بسهراتهم وأفرغوا المحلات من أغلى البدلات وربطات العنق، لكنهم لم يطأوا الأرض السورية لقيادة(الثورة المفترضة)والتي بدأت بالإنهزام والتصحر في القصير وريف دمشق وريف حلب وحماة وستتوج بإستعادة حلب وقطع(حبل الصرة مع تركيا).
العقاب الأميركي سيصل إلى السعودية على أبواب أزمة ولاية العهد والعائلة المالكة التي تعيش لحظات مفصلية وحرجة لم تعتد عليها في الماضي فزمن الملوك الكبار إنتهى وآخرهم الملك عبد الله الذي يعاني المرض الذي يرهقه منذ أكثر من عامين وولادة العهد يتوفون الواحد بعد الآخر وولي العهد الأخير الأمير سلمان نقل للعلاج في أميركا، وبالتالي ستعيش العائلة المالكة بداية التنافس الحاد والعنيف بين حقوق الجيل الثاني من الأبناء والأحفاد ويتصدر المشهد بندر بن سلطان الذي يراهن على الإنتصار في سوريا ليكون جسر العبور لتولي العرش في السعودية وينافسه الأمير محمد بن نايف الذي يمسك بالداخل السعودي ومكافحة القاعدة في مشهد متناقض ، فالإثنان تحت الرعاية الأميركية فالأمير بندر يرعى القاعدة وأخواتها في سوريا لإسقاط النظام والأمير محمد بن نايف يكافح القاعدة وأخواتها في السعودية ،وكلاهما يرى في عمله جسرا للعبور إلى العرش!
والسؤال... من ستعين أميركا ملكا على عرش السعودية بعد الفشل في سوريا؟.
العقاب الأميركي لن يتوقف وسيدفع الإخوان المسلمين ثمنا باهظا لعدم نجاحهم في فرصة إعطائهم الحكم في مصر وتونس وليبيا ،ولكن لن يعاقبوا بالإبعاد إلا في حالة واحدة إذا إلتزموا بالضغط على حماس بأن تعلن جهارا بأنها مع المفاوضات السياسية مع إسرائيل وتعترف بها وتعلن تخليها عن المقاومة وتضع إمكانياتها العسكرية في خدمة الفتنة المذهبية في العالم العربي وتهدئة قطاع غزة ،مما سيعطي الإخوان المسلمين شراكة في السلطة في سوريا ومصر خصوصا أما في ليبيا فلن يكون دولة أو كيان بل قبائل وكتائب تتقاتل ليبقى النفط بيد أميركا والغرب وهو أصل المشكلة وليس الديمقراطية وتداول السلطة.
بيروت في 18/6/2013 سياسي لبناني*
www.alnnasib.com